Baseerasincolor - the campaign
<

الأرقام تُمَثِّل بوصلة الاقتصاد المصرى فى الجمهورية الجديدة


أ. د. ماجد عثمان

أكتوبر-2025



 12% تراجع بمعدل التضخم السنوي خلال أغسطس 2025 وارتفاع 11.1% بالصادرات المصرية إلى دول مجموعة العشرين خلال أول 5 شهور من العام
بين صندوق النقد والإنتاج.. إصلاحات تتخطى السياسات النقدية
التواصل بين الحكومة والمواطن يحتاج إلى مزيد من الجهد.. والأرقام يجب شرحها
فرص واعدة أمام الاقتصاد المحلى مع تمكين القطاع الخاص وضرورة ربحه.. وتحديات تتطلب ترسيخ قِيَمْ العمل والجماعى منه
جودة التعليم استثماراً فى رأس المال البشرى.. ودراسة السوق خطوة لتجهيز الكوادر المؤهلة لسد احتياجات سوق العمل المتغيرة
مهن المستقبل.. فرص حقيقية لزيادة الإنتاج
يجب على الجامعات تقديم حلول عملية وليست مجرد توصيف للمشكلات
دراسة سوق العمل بشكل استباقى وتقديم أرقام حول نسب تشغيل الخريجين وتصنيفها حسب التخصصات والجامعات.. وإلزامها بذلك يضمن جودة التعليم وملاءمته لسوق العمل
التحول الرقمى.. بوابة محاربة الفساد ودعم الإنتاج المحلى
من الأبحاث إلى الحلول.. صانع القرار يبحث عن التوصيات العملية

تعد البيانات والإحصاءات الدقيقة حجر الزاوية في بناء نهضة شاملة، فهي ليست مجرد أرقام جامدة، بل هي أدوات حيوية لرسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.

البيانات والإحصاءات لم تعد مجرد أرقام، بل أصبحت بوصلة توجه مسار التنمية، وتحدد ملامح المستقبل، وللوقوف على أهمية هذه الأداة في رسم السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التقت "البوصلـــــة الاقتصادية" مع دكتور ماجد عثمان، وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الأسبق، وأستاذ الإحصاء بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وإلى نص الحوار..

من الأرقام إلى السياسات
كيف يمكن للبيانات والإحصاءات أن تغير شكل السياسات الاقتصادية في مصر؟ وما هي القيمة المضافة التي تقدمها هذه الأرقام لصانع القرار؟

يمكننا أن نتحدث عن العلاقة بين البيانات والسياسات من خلال مفهوم أطلق عليه "سلسلة القيمة الإحصائية"، هذه السلسلة ليست مجرد عملية بسيطة، بل هي رحلة متكاملة تبدأ بجمع البيانات، ثم تبويبها وتصنيفها، يليهما مرحلة التحليل المتعمق، وصولاً إلى النشر، وفي النهاية، تقديمها كمدخلات أساسية لمتخذ القرار لوضع السياسات، كما أن عملية جمع البيانات نفسها تُبنى على قرار فعلي، على سبيل المثال، يقوم الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بجمع بيانات عن سوق العمل كل ثلاثة أشهر، بينما تختار دول أخرى القيام بذلك كل سنة، هذا الاختلاف له أبعاد وجوانب متعددة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو مالي، ولكن الأهم أن تتم كل هذه الخطوات بطريقة محايدة تماماً، فالحياد هو الركيزة الأساسية للمصداقية.

المرحلة الحاسمة هي النشر حتى في هذه المرحلة، يمكن أن يتخللها نوع من الانتقائية عبر نشر بعض الأرقام أو المعلومات وإخفاء أخرى، لكن لكي نحقق المعيار الإحصائي المهني، لابد من نشر الحقيقة متكاملة وشفافة.

وعندما يتم عرض هذه البيانات على متخذ القرار (السياسي)، فإنه يتلقى مدخلات مختلفة عن الباحث أو الإحصائي، فربما تشير البيانات إلى خطوة ضرورية، لكن الإمكانات المتاحة لا تسمح بتنفيذها فوراً، خاصة إذا كانت التكلفة المالية أو السياسية عالية، على سبيل المثال، قد توصي ورقة بحثية بإلغاء الدعم لتحقيق كفاءة اقتصادية، لكن متخذ القرار يدرك أن هناك شرائح واسعة من المواطنين قد تتأثر سلباً بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية في هذه الحالة، يؤجل القرار حتى يتم إيجاد حلول بديلة تضمن عدم الإضرار بالمواطنين، هذا يوضح أن القرار ليس فنياً فقط، بل هو مركب يجمع بين الأبعاد الفنية والسياسية والاجتماعية.

لغة الأرقام

أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء مؤخراً عن تراجع معدل التضخم السنوي في مصر إلى 12% خلال أغسطس 2025 مقارنة بـ 13.9% في يوليو من نفس العام، هل يعني هذا أن الأسعار تنخفض أم أن معدل زيادتها يقل؟

المقصود بالرقم هو أن هناك تحسناً في معدل الزيادة، بمعنى أن سرعة ارتفاع الأسعار قد تباطأت، ولم تعد الأسعار ترتفع بنفس القوة التي كانت عليها سابقاً، هذا التحسن هو ثمرة لجهود الدولة في السيطرة على معدلات التضخم، والفهم لهذه الفروقات الدقيقة أمر بالغ الأهمية لتجنب التنافر بين الأطراف المختلفة وبناء الثقة في الأرقام الرسمية.

متى يمكن القول إن هذه الزيادة قد توقفت؟ وما الفرق بين تراجع معدلات المواليد وتراجع عدد السكان؟

هذا أيضاً من أهم النقاط التي يحدث فيها خلط بلغ معدل الزيادة في المواليد بمصر حوالي 2.7 مليون نسمة في عام 2017، بينما تراجع الآن إلى حوالي 2 مليون نسمة، هذا التراجع يعد إنجازاً كبيراً، ويُظهر أن المبادرات الوطنية بدأت تؤتي ثمارها، لكن الزيادة السكانية تتوقف فقط عندما يتساوى عدد المواليد مع عدد الوفيات، والذي يبلغ حالياً حوالي 500 ألف نسمة سنوياً، وهذا يعني أن الزيادة الصافية لا تزال حوالي 1.5 مليون نسمة سنوياً، فالفرق بين تراجع أعداد المواليد وتراجع عدد السكان هو فرق جوهري يجب إدراكه تماماً.

فيما يخص الإيجار القديم، ما هي الأرقام الإحصائية التي يمكن أن تساعد في اتخاذ قرار حكيم بشأنها؟

وفقاً لبيانات 2017، كان هناك حوالي 3 ملايين وحدة عقارية تخضع لقانون الإيجار القديم، ويسكنها نحو 1.6 مليون أسرة، هذه الأرقام هي الأساس الذي يتم بناء القرار عليه، ومن المتوقع أن تكون هذه الأعداد قد تراجعت الآن، هذه الإحصاءات تعكس مدى الحاجة الفعلية إلى توفير وحدات سكنية بديلة للأسر المتأثرة، مما يوجه الحكومة نحو اتخاذ سياسات إسكانية سليمة ومناسبة.

ما هي أبرز التحديات التي تواجهكم في جمع البيانات؟

جمع البيانات يتم بطريقتين الزيارة الميدانية أو عبر الهاتف، الطريقة الميدانية أكثر دقة لكنها تواجه تحديات مثل الحصول على التصاريح اللازمة واعتبارات الأمان، بالإضافة إلى التكلفة العالية، لذا، فإن جامعي البيانات يحملون تصاريح رسمية تضمن مصداقيتهم، فالتحديات تكمن في تيسير هذه الإجراءات وتخفيف التكاليف.

ما هي أهم المؤشرات التي تعكس الوضع الاقتصادي المصري حالياً؟ وما هي الفرص الواعدة؟

أرى مؤشرات إيجابية واعدة للغاية.. أبرزها زيادة أحجام الصادرات المصرية المقومة بالدولار حيث ارتفعت قيمة الصادرات المصرية إلى دول مجموعة العشرين لتسجل 9 مليارات دولار خلال أول 5 أشهر من عام 2025، مقابل 8.1 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2024، بزيادة بلغت نحو 900 مليون دولار، وبنسبة ارتفاع 11.1%، وفق البيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وزيادة واضحة في حجم الإنتاج الزراعي، هذه المؤشرات تعكس الجهود المستمرة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعظيم الصادرات، وعلى الجانب الآخر، يجب أن نستثمر بشكل أكبر في جودة التعليم، الذي يمثل استثماراً حقيقياً في المستقبل من خلال رأس المال البشري، علينا أيضاً دراسة "مهن المستقبل" لتجهيز الكوادر المؤهلة لسد احتياجات سوق العمل المتغيرة، بما يضمن خلق فرص عمل جديدة وتحقيق الاكتفاء لأصحابها.

كيف أثر التضخم العالمي على سلوك المواطن المصري؟ وما هي الفرص التي أوجدها؟

نتيجة لتغير أسعار صرف العملات الأجنبية، ارتفعت أسعار السلع المستوردة بشكل كبير، مما أدى إلى ظهور صناعات محلية لم تكن على خريطة المنافسة، هذه فرصة ذهبية لزيادة الصناعات المصرية، خاصة مع توجه المواطنين نحو المنتجات المحلية لأسباب متنوعة، منها ارتفاع أسعار المستورد، ودعم الاقتصاد الوطني، أو حتى ارتفاع جودتها، يجب أن نضمن استمرارية الإنتاج واستدامته، مع رفع الكفاءة والجودة، لضمان استمرار المستهلك المصري في التعامل مع المنتج المحلي حتى لو تراجعت أسعار الدولار في المستقبل.

تنمية شاملة

ما أهم التحديات التي تواجه الاقتصاد المحلي؟

الاستثمارات الأجنبية تتحرك بشكل إيجابي، ولكننا بحاجة إلى تغلغل وترسيخ الاستثمارات المحلية، لأسباب منها ارتفاع أسعار الأراضي الصناعية والسياحية، وارتفاع تكلفة الإنتاج بشكل يجعل الاستيراد أسهل بالإضافة إلى ذلك، تحتاج بعض الصناعات إلى مهارات قد لا تتوافر بشكل كافٍ، الأمر الذي يتطلب عمالة ماهرة وقيم عمل عالية من الالتزام والمسؤولية.

كيف ساهم التحول الرقمي في تيسير الأعمال وتحقيق الشفافية؟

التحول الرقمي لعب دوراً محورياً في تيسير الأعمال، من خلال تسهيل استخراج الشهادات والتراخيص والتصاريح للأفراد والمؤسسات، هذا أدى إلى تقصير فترة الإجراءات، وتوفير الوقت والجهد في كافة المجالات، مما يلمسه المواطن بشكل مباشر، كما أن له جوانب إيجابية في الحد من الفساد وزيادة الشفافية، وهو ما يتماشى مع جهود الدولة لترسيخ مبادئ الحوكمة الرشيدة.

كيف يمكن تعزيز ثقة المواطن في الأرقام التي تصدرها المؤسسات الحكومية؟

تعزيز الثقة في الأرقام هو مهمة رئيسية لأي جهاز إحصائي وجزء كبير من هذه الثقة يعتمد على الثقة في الحكومة ككل، وأعتقد أن التواصل بين الحكومة والمواطن يحتاج إلى مزيد من الجهد، فالأرقام يجب أن يتم شرحها بوضوح وشفافية، دون تسييسها، فمثلاً، نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح عندما يتم توضيحه للمواطن، فإنه يدرك حجم الأعباء الملقاة على كاهل الدولة، مما يفتح الباب لمناقشات حول سعر رغيف الخبز أو خلط القمح بحبوب أخرى، وكل ذلك يكون مبنياً على حقائق.

ما هي الفجوة بين البحث العلمي التطبيقي وصانع القرار؟ وكيف يمكن تجاوزها؟

الفجوة موجودة، والمسؤولية تقع على الطرفين، فيجب على الأكاديميين والخبراء تقديم مخرجاتهم بطريقة تناسب متخذ القرار، بدلاً من تقديم تقرير أكاديمي بحت يمتد لمئات الصفحات، ويجب أن يكون الترتيب معكوساً يُقدم الحل أولاً، ثم التكلفة، ثم صعوبات التنفيذ، وأخيراً مدى جدوى الاقتراح سياسياً، فمتخذ القرار يبحث عن حلول عملية يمكن تطبيقها، وكيفية التطبيق، ومتى يتم، وهل يكون على مراحل أم دفعة واحدة، وما هي التبعات المتوقعة.

ما دور الجامعات في صياغة السياسات الاقتصادية؟

الجامعات تلعب دوراً هاماً من خلال مراكزها البحثية التي تقدم دراسات قيمة، ولدعم هذه المشاركة، يجب على الجامعات تقديم حلول عملية وليست مجرد توصيف للمشكلات.

كيف يمكن للبيانات سد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل؟

مخرجات التعليم تظهر بعد سنوات، فالتوسع في تخريج دفعات من كلية ما بأعداد كبيرة تؤدي لحدوث تُخمة وتراجع بالجودة، لذلك يجب التفكير المستقبلي فيجب على الجامعات دراسة سوق العمل بشكل استباقي، من حيث نسب تشغيل الخريجين وتصنيف ذلك حسب الجامعات والتخصصات، وتلك الأرقام لابد من إلزام الجامعات والمكونات الداخلية للكليات والأقسام، وليس هذا ترف علمي ولكنه ضرورة لضمان جودة التعليم وملاءمته لسوق العمل، وهو ما يعكس جدية المؤسسات العلمية.

هناك دعوات للتخلي عن برنامج صندوق النقد الدولي، ما رؤيتك لذلك؟

اتفاقات صندوق النقد تركز على إصلاحات في السياسات النقدية، بينما تكمن حاجة مصر الحقيقية في إصلاح قطاعات الإنتاج مثل الصناعة والزراعة، فالتقدم الحقيقي لأي دولة يأتي من النهوض بالقطاعات الإنتاجية، ولقد شهدت العشر سنوات الماضية استثمارات ضخمة في البنية الأساسية، والتي تمثل عموداً أساسياً للتنمية، الآن، يجب أن نركز على دفع قطاعي الصناعة والزراعة لإضافة قيمة أكبر للناتج المحلي الإجمالي وتشغيل أعداد أكبر من العمالة، فالأرقام تشير إلى أن نسبة الصناعة بالناتج المحلي الإجمالي لم تتغير خلال الخمسين سنة الماضية.

كيف يمكن تعظيم الاستفادة من عوائد القطاعات الاقتصادية؟

يتطلب ذلك القضاء على الفساد والبيروقراطية، وتنمية المهارات السلوكية مثل العمل الجماعي والالتزام، كما يجب تشجيع القطاع الخاص عبر قواعد حوكمة سليمة، مع إدراك أن مصالح القطاع الخاص يمكن أن تتواءم مع مصالح المجتمع، وأن "القطاع الخاص يجب أن يربح" لتحقيق التنمية المستدامة التي تنشدها الدولة المصرية.



البوصلة